الحمد لله غفار الذنوب علام الغيوب، مفرج الكروب، والصلاة والسلام على من سعدت ببعثته القلوب، محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الله جلَّت عظمته وتقدَّست أسماؤه قد بعث صَفيَّهُ محمدًا على فترة من الرسل، وأَنْزَلَ عليه الكتاب والحكمة، ودعا إلى رَبِّه على بصيرةٍ، فعلم الناس من القرآن، وعلموا من السنَّة، وفقهوا في دين الله تعالى، وما لحق رسول الله بالرفيق الأعلى حتى ترك أمته على المنهاج الواضح، والصراط المستقيم، قال الله تعالى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام ، وقال «تركتم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاَّ هالك» أخرجه أحمد وابن ماجه
غضب الله تعالى على الظالمين
وهكذا تمر الأيام، وتصدق كلمة الله على القوم الظالمين، ومع بداية ما أسموه بـ «الأزمة العالمية» التي هزت عرش أمريكا واقتصادها، وهزت معها عرش الاقتصاد الغربي، بل اقتصاد العالم الذي يدور في فلك أمريكا ونظامها الرأسمالي الحر، لقد أفاء الله على بلادهم من الخيرات الطبيعية مع رغد في العيش، وسعة في الأوطان، وأقبلت إليهم الدنيا بحذافيرها، فظنوا أن ذلك كرامة من الله لهم، وأنهم إنما حصلوا على ذلك لاستحقاقهم له، ولم يكن ذلك إلا استدارجًا من العلي القدير، فنسوا حظًا مما ذكروا به، وطغوا وبغوا وأكثر في الأرض الفساد، ولم يسلم من بطشهم وظلمهم حتى بنو جلدتهم، وأتباع ديانتهم، ونال المسلمين من بغيهم من ذلك الحظ الأوفى، ولأن الله لا يحب الظلم والظالمين، كان حقًا على الله أن يريهم عاقبة ظلمهم في الدنيا قبل الآخرة، قال «ما من ذنب أجدر أن يعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» السلسلة الصحيحة
وقد بذل الناصحون لهم النصح من المسلمين الذين هم أعرف الناس بربهم وأيامه، فأبى ساسة القوم إلاَّ طغيانًا كبيرًا واستكبارًا عظيمًا، ولسان حالهم كفرعونهم السابق مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ غافر ، فكانت النتيجة كما حكى الله أيضًا في كتابه الكريم الذي أنزله على خير المرسلين فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ الزخرف
وإننا لننتظر حكم الله فيهم كما حكم على أمثالهم فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ الزخرف
وإننا والحمد لله لم نَشُكَ لحظةً في أنَّ الدائرة ستدور عليهم، ولكنها سُنَّة الله في الذين خلوا من قبل وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ آل عمران
لم يعتبروا ولم يكترثوا لما حلَّ بعرش كسرى
لقد تحققت هذه السنة عيانًا لكل ذي بصيرة في عصرنا الحاضر، فلقد مَرَّتْ بالأُمة محن وبلايا عظيمة زُلزل فيها المؤمنون زلزالاً شديدًا وفتنوا في دينهم في أرض الإسراء في فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال والسودان، بل إن شئت في كل بقعة وطأ أرضها نور الإسلام
وها هي الدائرة تدور عليهم، على المتكبرين المتجبرين، ويزلزل اقتصادهم، وفاجأهم الله بِنقمته التي نسأل الله العلي القدير ألا يرفعها عنهم حتى يروا العذاب الأليم جزاءً بما طغوا في الأرض، لقد أراهم الله مكره بمن سبقهم في البغي إمبراطورية الفرس الروسية، بل حذرهم كسراهم المعاصر «بوتين» من التَلَبُّس بظُلْم المسلمين، فقد جرَّت عاقبة ظُلمه في أفغانستان والقوقاز والبلقان، فأراه الله عاقبة ظلمه إياهم انهيارًا في إمبراطوريته بسُرعةٍ لم يتوقعها عدوهم، كما قال تعالى وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود
فلم يُلْق سادة الرأسمالية الغربية بالواقع بالاً، ولم يكترثوا لما حل بعرش كسرى الحاضر، وظنوا أن ذلك حسدًا لهم من أن يحوزوا غنائم الغدر من أرض المسلمين وأموالهم، وما هي إلاَّ سنواتٍ معدودة لم تَبْرُد فيها أكبادُ المصابين من المسلمين على فقد أبنائهم، ولم تجفَّ أرضهم من دماء شهدائهم، وإذا بالصنم يَتَشَقَّقْ، والحلم يتبخر، وإذا بالعاقبة تلوح، وإنا لله وإنا إليه راجعون
مع تحياتي محمد داود