الحمد لله، معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وفق أهل طاعته لما يحبه ويرضاه، وأصلي وأسلم على خير عبد اجتباه، وأفضل رسول اصطفاه، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد
فقد تحدثت في العدد الماضي عن شروط قبول الأعمال، وتأسيًا بالصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوله «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني» متفق عليه
وقول الشاعر الحكيم عرفت الشَّرَ لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أحببت أن أذكّر نفسي وإخواني وأخواتي بمحبطات الأعمال، نسأل الله السلامة والعافية لنا وللمسلمين والمسلمات من أي قول أو عمل من شأنه يحبط أعمال العبد، لأن الحسرة تكون كبيرة عندما يقوم العبد بعملٍ من الأعمال، وقد يبذل فيه جهدًا ثُمَّ لا ينال من ورائه خيرًا
ولقد كان السَّلَفُ الصالح يخافُونَ ألا يُتقبَّل منهم عَمَلُهُمْ
سألت أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها رسول الله عن أهل هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ المؤمنون 60، أهمُ الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال «لا يا ابنة الصِّديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يُقبل منهم» صحيح ابن ماجه
من أسباب محبطات الأعمال «الشرك»
قال الله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر 65
والمعنى لئن أشركت ليبطلنَّ عملك الصالح، ولتكونَنَّ في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، وإلا فالرسول قد عصمه الله وحاشاه له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإقامة صرح التوحيد
وقال تعالى بعد ذكر جملة من الأنبياء ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام 88
والمعنى أنَّ هؤلاء الأنبياء المذكورين لو أشركوا بالله لحبطت أعمالهم، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع
فالشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، قال الله تعالى مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ التوبة 17 ، فالعبادة لا تُسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك فيها فسدت كالحدث إذا دخل في الصلاة وقد وعد الله تعالى بالمغفرة لمن لقيه لا يشرك به
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«قال الله تعالى يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثُم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرةً» صحيح الجامع 4338
وقد دَلَّ هذا الحديث على أنَّ الإنسان مهما أتى من ذنوب، واقترف من آثام، ولكنه سلم من الإشراك بدَّل الله سيئاته حسنات، وآتاه بدل هذه الذنوب مغفرة، فظهر أنَّ الذنوب تتضاءل أمام عقيدة التوحيد، وأن بركتها تغشى المذنب فتمحو خطاياه، كما أن للشرك شؤمًا وظلمة تغطي على جميع الحسنات، وتحبط جميع العبادات، فكان الفاسق الموحد خيرًا من المتقي المشرك
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«أتى جبريل، فقال بشِّر أمتك أنه من مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت يا جبريل، وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، وإن شرب الخمر» صحيح الجامع 66